سورة الأعراف - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


القرية: المدينة. البأساء: الشدة والمشقة كالحرب والجذب وشدة الفقر. الضراء: ما يضر الإنسان في بدنه أو نفسه. التضرع: اظهار الخضوع والضعف. عَفَواْ: كثروا ونموا. بغتة: فجأة.
اشار الله تعالى هنا إلى سُنته في الأمم التي تكذّب رسلَها، فهو يُنزل بها البؤسَ وشظَف العيش وسوء الحال في دنياهم ليتضرّعوا إلى ربهم ويُنيبوا إليه بالتوبة. ثم ذكرَ أنه بدّل الرخاء بالبؤس ليعتبروا ويشكرون، لكنهم لم يفعلوا، فاخذهم أخذَ عزيزٍ مقتدر.
وما بعثنا نبيّاً من الأنبياء في مدينةٍ من المدن، يدعو أهلَها إلى الدين القويم، ثم أعرضوا عن قبول تلك الدعوة- إلا أصبناهم بالفقر والمرض، كي يتذللوا ويخضعوا ويبتهلوا إلى الله راجين كشفَ ما نزل بهم.
ثم إنهم لمّا لمْ يفعلوا ذلك، بل تابعوا كفرهم وعنادهم، امتحنهم الله بالعافية مكان البلاء، فوهبهم رخاءً وسعة وصحةً وعافية، حتى كثُروا ونَموا في أموالهم وأنفسهم، وقالوا جهلاً منهم: إن ما أصاب آباءنا من المحَن وبالبلاء كان شأنَ الدهر، يداول الضرّاءَ والسّراءَ بين الناس. لم ينتبهوا أنَّ ذلك كان جزاءَ كفهرم فيرتدعوا، فكانت عاقبة ذلك أن أصابهم اللهُ بالعذاب المدمّر فجأة وهم غافلون عما سيحلُّ بهم.
فلنعتبر نحن المسلمين، فإننا قد تركنا ديننا والعمل به، وأهملنا قرآننا وتعاليمه فسلّط الله علينا شرّ خلقه وأخسَّ الناس، يسلبوننا مقدّساتِنا وأرضينا، ويُذلّوننا شرَّإذلال. كل هذا ونحن لا ينقصُنا المال ولا الرجال، ولكن ينقصُنا الإيمان بالله والحزم والثقة بأنفسنا، وهدايةُ الحكّام فينا كي يتبعدوا عمّا هم فيه من انصراف عن الله وتناحر بينهم وفرقة.


بركات السماء: تشمل الروحية والمادية، وبركات الأرض الخصب، وما فيها من معادن وخيرات. البأس: العذاب بياتا: ليلا. الضحى: اولها النهار يلعبون: يلهون من فرط غفلتهم المكر: التدبير الخفي، والخداع وان تَصْرِف غيرك عن مقصده بحيلة. ومكرُ الله مجازاتُهُ على المكر. هداه السبيل: دله عليه.
بعد أن بين الله أخْذّه لأهل القرى الذين كذّبوا رسُلهم- ذكر هنا لأهل مكةَ ما يكون من إغداقِ النعم لو آمنوا بالرسول واهتَدوا بهدْية، واعتبروا بسنّة الله في الأُمم من قبلهم.
لو أن أهل تلك القرى آمنوا بما جاء به انبياؤهم، وعملوا بوصاياهم، وابتعدوا عما حرمه الله- لفتحْنا عليهم أنواعاً من بركات السماء والارض نِعماً لا تحصى، كالمطر والنبات والثمار والمعادن والأرزاق، والسلامة من الآفات.. لكنهم جحدوا وكذبوا أولئك الرسل، فأنزلنا بهم عقوبتنا، لِما كانوا يقترفونه من الشرك والمعاصي. ثم عجب الله من حالهم وغفلتهم فقال: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ...}.
هل جهِلَ أهل هذه القرى فاطمأنّوا إلى أنه لن يأتيَهم عذابنا وقتَ بياتِهم! وفي هذا تحذير للناس أجمعين.
أو أن ينزل بهم العذاب في النهار وقتَ الضحى وهم منهمكون في أعمالهم العابثة حتى كأنها لَعِب!!
قراءات:
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: {أوْ أمن} بتسكين الواو. والباقون {اَوَ أمن} بفتح الواو.
{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون}.
هل جَهِلوا سُنّة الله في المكذّبين، فأمِنوا عذابه ليلا أو نهارا؟ إنه لا يحهل تدبير الله وقُدرتَه في عقوبة المكذّبين برسُله الا الذين خسروا أنفسَهم غباءً، فلم يفقهوا ما فيه سعادتهم.
فلا يجوز لأحد ان يأمن مكر الله ويظلّ مسترسلاً في المعاصي، اتّكالاً على عفوه ومغفرته ورحمته. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بقوله: «اللهم يا مقلّبَ القلوب والأبصار ثبِّتْ قلبي عل دينك» وقد بين لنا الله تعالى ان الراسخين في العلم يدعونه فيقولون: {ربّنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذا هديتَنا وهبْ لنا من لدُنْك رحمة}.
وكما ان الآمن من مر الله خُسران ومفسدة، فاليأس من رحمة الله كذلك لذا وجب ان يظل المؤمن بين الخوف والرجاء دائما.
{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}.
هذا تحذير للسامعين، وخطابٌ لجميع الناس حتى يتّعضوا ويستقيموا. ومعناه: أغابَتْ عن الذين يخلْفونَ مَن قَبلهم من الأمم سُنّةُ الله فيمن قبلهم!! وإن شأننا فيهم كشأنِنا فيمن سبقوهم، لو نشاء ان نعذّبهم أصبنْاهم كما أصبنْا أمثالَهم.
ولا يرد الله سبحانُه وتعالى للناس بهذا التحذير الشديد ان يعيشوا خائفين قلقين، كلا، بل يلطب منهم اليقظة ومراقبة النفس والعظة من تجارب البشر.
هكذا ينبغي ان نفهم ذلك التخويف الدائم من بأس الله الذي لا يُفع، ومن مكر الله الذي لايُدرك. إنه لا يدعو إلى القلق وانما إلى اليقظة، ولا يؤدي إلى الفزع بل إلى الحساسية، وهو لايعطل الحياة وإنما يحرسها من الاستهتار والطغيان.


يطبع الله على قلوب الكافرين: يختمها ويقفلها. العهد: الوصية والميثاق. الفسوق: الخروج عن كل عهد، وعصيان اوامر الله.
هذا الخطاب موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسليةً له على الصبر في دعوته، وذلك عن طريق تذكيره بما في قصص أولئك الرسُل مع اقوامهم من العِبر والمواعظ، وبيان ان ما يلاقيه هو مِنْ قومه من ضرورة العناد والإيذاء ليس بِدعاً.
تلك القرى التي بعدُ عهدها وجَهِل قومُك حقيقة حالها، نقصّ عليك الآن بعض أخبارها. لقد جاء أهلَ تلك القرى رسلُهم بالبينات الدالة على صدق دعوتهم، فلم يؤمنوا بها...
{يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين}.
هكذا جعل الله حجابا على قلوب الكافرين وعقولهم فيخفَى عليهم طريق الحق وينأون عنه.
إننا لم نجد لأكثرِ أولئك الاقوام وَفَاءً بِمَا أوصيناهم بهمن الايمان، على لسان الرسل، بل وجدنا اكثرهم خارجين على كل عهد، فطريّ وشرعي، فهم ناكثون غادرون.
وفي التعبير ب {اكثرهم} إيماءٌ إلى ان بعضهم قد آمن. وهذا من دأب القرآن الكريم في تحقيق الحقائق على وجه الصدق، فهو لا يسلب احداً حقه، ولا يعطيه حق غيره.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14